الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** حي العطارين **

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

 

حي العطارين هو أحد أحياء الإسكندرية الشعبية القديمة ويقع ضمن نطاق حي وسط الإسكندرية وقد سمي الحي بهذا الإسم لوجود سوق العطارين به والذى يقع في الشارع الذى سمي أيضا بشارع العطارين المتواجد على مقربة من المسرح الروماني أحد أهم آثار مدينة الإسكندرية من العصر الروماني وقد أصبح هذا السوق مركزا تجاريا مهما إشتهر بتجارة التوابل والعطور خاصة بعد الفتح العربي لمصر وإعتبرت تلك السوق من أشهر أسواق العطارة في العالم وبمرور الزمن إختفت محال ودكاكين العطارين من هذا السوق وظهرت محال بيع التحف والأنتيكات والأثاث القديم والجديد والملابس الجديدة والمستعملة ومحال بيع طيور وأسماك الزينة وشتلات النباتات في فترة الخمسينيات من القرن العشرين الماضي والتي إعتمد نشاطها على شراء ممتلكات الأجانب منهم أولا والذين غادروا المدينة وهاجروا خارج مصر ثم بيعها لمن يرغب بعد ذلك وقد حظيت محال التحف والأنتيكات في العطارين في ذلك الوقت بشهرة عالمية فكان يأتي إليها هواة جمع التحف من كل البلاد بحثا عن قطعة نادرة أو لوحة فنية أصلية ومن أشهر زوار هذه المحال الملكة صوفيا ملكة أسبانيا اليونانية الأصل والمولد والتي تربت وعاشت في الإسكندرية وكذلك الفنانة العالمية الراحلة داليدا …..
وتعد سوق العطارين حاليا من أهم الأسواق الشعبية بالإسكندرية ومن أهم المعالم بالحي وبمدينة الإسكندرية عموما فلا يوجد به شبر واحد لا يشغله محل فهناك محال البقالة لأصحابها اليونانيين سابقا والمصريين حاليا ومحال لبيع الساعات التي كان يعمل بها الأرمن ومحال بيع الكتب القديمة والنادرة التي كانت قبلة لكبار الكتاب والمفكرين المصريين وهي المحال التي إنتقلت إلي شارع النبي دانيال وأصبح نشاطها تجارة وبيع الكتب الجديدة والقديمة وأصبحت وريثا لها وما أن يأتي صباح يوم الجمعة من كل أسبوع حتى تجد حي العطارين يعاني من زحام وضجيج وصخب شديد حيث أنه في هذا اليوم تقام أسواق اليوم الواحد ومكانها شارع الخديوي أحد أهم وأشهر شوارع الحي ومن أشهر تلك الأسواق سوق العصافير لمحبي إقتناء الطيور النادرة وسوق أسماك الزينة وسوق شتلات النباتات وسوق الكانتو وهي أهم وأكبر وأقدم سوق للملابس المستعملة بالإسكندرية وتأتي بضائعه من مختلف أنحاء العالم خاصة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وتركيا وإيطاليا وكان قدامى التجار يحضرون مخلفات الجيش البريطاني إلى السوق ويقومون ببيعها من خلاله حيث كانت تجد رواجا وإقبالا شديدين وحاليا تأتي بالات عبر ميناء الإسكندرية حيث لها زبائنها من الباحثين عن أحدث خطوط الموضة الأوروبية بأسعار بخسة وزهيدة …..
وكان أهم ما يميز الحي العتيق محلات الرهنيات التي كان يديرها سكانه من اليهود كما يقول سكان الحي القدامي وحيث كانت تقوم مشادات كثيرة بسبب تلك الممارسات التي يقوم بها اليهود ويتدخل فيها اليونانيون لفضها فتزداد إشتعالا وتعتبر بياصة الشوام من أهم المناطق المميزة لحي العطارين والبياصة باللهجة الإسكندرانية كلمة محرفة عن كلمة لا بياتزا La Piazza الإيطالية التي تعني الميدان أو الساحة وأشهر المحال فيها مطعم ملك السمان لصاحبه اللبناني الأصل الذى كان إسمه الخواجة إلياس والآن يمتلكه شخص مصري يدعى محمد السمرة وهو المطعم الوحيد بالإسكندرية الذي يشتهر بتقديم السمان المشوي اللذيذ بخلطة الزعتر كما يشتهر المطعم ببعض الأصناف الأخرى من الطيور ويعتبر هذا المطعم محل فخر أهل الحي الذين يقولون دائما إن الفضل كان لهذا المطعم في رؤيتهم مشاهير الفن والغناء والسياسة ومنهم علي سبيل المثال لا الحصرفريد الأطرش وأسمهان وعبد الحليم حافظ وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز ومصطفى قمروغيرهم وبعض الوزراء المصريين ورجال الأعمال العرب أيضا كما يوجد بالحي مخبز أثينا وهو مخبز وحلواني كان لرجل يوناني يسمي كوستا ممن كانوا يقيمون ويستوطنون في الإسكندرية تم إفتتاحه عام 1936م ثم أصبح ملكا لعائلة الخولي بعد رحيل كثير من اليونانيين وعودتهم إلي بلادهم ويعد هذا المحل علامة مميزة لهذه المنطقة …..
وعلى الرغم من كل هذه السمات التجارية في حي العطارين فإنه لم يفقد طرازه المعماري المميز الذي يميز أغلب مبانيه ومتاجره ومحاله القديمة التي تبدو على ملامحها فنون العمارة الأوروبية وخاصة العمارة الإيطالية والفرنسية ومن أبرز معالم حي العطارين المؤسسة الثقافية اليونانية بشارع سيدي المتولي أحد اشهر شوارع الحي التي كانت في الأصل مدرسة أفيروف الثانوية للبنات ويعود تاريخها لأكثر من 100 عام كما توجد في الحي العريق الكنيسة الإنجيلية التي يعود تاريخها إلى عام 1854م والمدرسة الألمانية لراهبات القديس شارل بورومي وأيضا عمارة ليبون الخاصة بشركة توزيع الكهرباء الفرنسية بالإسكندرية.التي أدخلت أول عداد كهرباء بالحي عام 1895م حيث دخلت الكهرباء لأول مشترك بمدينة الإسكندرية بتاريخ يوم 11 نوفمبر عام 1895م وكان ذلك لمكتب المحامى الشهير مانوزدى الذى أطلق إسمه على الشارع المؤدى إلى محكمة محرم بك حاليا المسمي بشارع المحكمة وكان هذا المكتب فى العمارة رقم 5 شارع صلاح سالم بالمنشية وكان التعاقد على عنوان باب العطارين أمام مصباح الإنارة بالغاز رقم 2375 والتعاقد خاص بتركيب عداد قوة 10 لمبات وكان رقم العداد 61184 وكان هذا هو أول عداد يركب بمدينة الإسكندرية وقد قام بتركيبه بتكليف من شركة ليبون الأسطي الكهربائى نحمان وكان تأمين العداد مبلغ وقدره 5 فرنكات …..
ومن أشهر شوارع الحي شارع الخديوي المؤدي إلى ميناء الإسكندرية وشوارع السمعاني والوداد والفولي كذلك يشتهر الحي بوجود ورش لإصلاح مختلف أنواع السيارات في شارع صلاح الدين الذي ستجد به ضالتك إذا كنت تبحث عن قطع غيار لسيارتك سواء كانت قديمة أو حتى موديل العام الحالي والجولة بين أزقة الحي وشوارعه المخططة بإبداع شديد تكشف مدى تبدل أحواله ومنها أنه بعدما كانت تسمع فيه مختلف اللغات واللهجات أصبحت غالبية قاطنيه من المهاجرين من صعيد مصر ومن أشهر العائلات وأكثرها عراقة التي إستوطنت الحي وتسكن به حاليا عائلة العرابة التي تعود أصولها إلي صعيد مصر وهم اليوم من أكبر تجار الأثاث الجديد والقديم في سوق العطارين …..
ومن أهم المعالم الأثرية بحي العطارين جامع العطارين أحد أقدم جوامع الإسكندرية ويعتبر واحدا من المعالم الإسلامية بالمدينة ويقع في الشارع الذي يحمل إسمه بحي العطارين العريق وقد عرف بهذا الإسم لوقوعه بالقرب من سوق العطارين وقد عرف هذا الجامع أيضا بإسم جامع الجيوشي نسبة إلى أمير الجيوش بدر الدين الجمالي أمير الجيوش في أيام الخليفة الفاطمي المستنصر بالله والذي قام بتجديده وتطويره وتوسعته في عام 477 هجرية الموافق عام 1084م ولقد كان هذا الجامع في الأصل كنيسة تهدمت بفعل الزمن تعرف بإسم كنيسة القديس إثناثيوس وأقيم مكانها بعد الفتح الإسلامي لمصر جامعا صغيرا إلا أنه بمرور الزمن بدأ هذا الجامع في التهدم وتهاوت بعض أسقفه في بداية العصر الفاطمي فلما قدم أمير الجيوش بدر الجمالي إلى مدينة الإسكندرية في العام المذكور لإخماد الثورة التي قام بها إبنه الأكبر الأوحد أبو الحسن الملقب بمظفر الدولة والذي كان قد تحصن بمدينة الإسكندرية بعد أن ولاه أبوه عليها نزل بدر الجمالي على أبواب المدينة وحاصرها شهرا حتى طلب أهلها الأمان وفتحوا له أبوابها فدخلها وأخذ إبنه أسيرا وعاقب أهل الإسكندرية الذين أيدوا حركة إبنه الأوحد بأن فرض عليهم جميعا مسلمين وأقباط مائة وعشرين ألف دينار حملت إليه فجدد بناء جامع العطارين وقد ذكرت المصادر التاريخية بأنه قد تم الإنتهاء من بناء الجامع في شهر ربيع الأول سنة 479 هجرية الموافق عام 1086م وأقيمت به صلاة الجمعة آنذاك ويتكون التخطيط المعماري العام للجامع من مساحة مستطيلة تبدو من الخارج مثلثة الشكل حيث يتصدر قمة المثلث من الخارج بالناحية الجنوبية الشرقية كتلة المئذنة وهي ذات قطاع دائري ومكونة من 3 حطات بينها شرفتان توجد أسفلهما مقرنصات بديعة الشكل والحطة الأخيرة عبارة عن 8 أعمدة بينها فتحات طولية ومحمل عليها رأس المئذنة والذى يشبه القلة المقلوبة ويرتكز علي سقف دائرى مقرنص تحمله تلك الأعمدة ويبرز عنها ويعلو فوقه هلال نحاسي وللجامع واجهتان هما الواجهة الشمالية الشرقية وهي الواجهة الرئيسية ويقع بها المدخل الرئيسي للجامع الذي يقع بالطرف الشمالي للواجهة كما يوجد بالطرف الشرقي للواجهة مدخل آخر يؤدي إلى القبة الضريحية كتب أعلي هذا المدخل كتابة نصها هذا ضريح سيدي محمد بن سليمان بن خالد بن الوليد جدد عام 719 هجرية الموافق عام 1319م أما الواجهة الجنوبية الغربية فإنه يقع بها ثماني محلات تجارية كانت موقوفة على الجامع للصرف من ريعها عليه وعلي صيانته ويقع بالطرف الغربي للواجهة مدخل آخر يؤدي إلى روضة الجامع ويعلو هذا المدخل كتابة على العتب نصها جدد هذا المسجد المبارك في عصر خديوي مصر عباس حلمي الثاني أدام الله أيامه سنة 1319 هجرية الموافق عام 1901م ….. …..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى